كثير من الأفكار لا تجد من يستقبلها في اللحظة المناسبة فتصبح أفكاراً مخذولة، ولمدة طويلة ظل مفهوم “مجتمع المعرفة” مخذولاً في الوطن العربي لأسباب سياسية واجتماعية واقتصادية وإعلامية. ولأن هذه الأفكار أصيلة، فإن قدرتها على الرجوع ظلت قائمة وخصوصاً في هذه المرحلة العصيبة. فقد تميزت المائة سنة الأخيرة في حياة البشرية بالقدرة على تقريب المسافات، واتجاه العالمي نحو التوحد في المصير، وهو ما يدفع كل الناس على اختلاف طبقاتهم وديانتاهم وثقافتهم وبلادهم إلي إعادة النظر إلى الأشياء من زاويتها الإنسانية الرحبة حتى يدركون دورهم الخاص ودور ثقافتهم في هذا الإطار العالمي، إذ لا يمكن أن نطرح مشاكلنا في زمن العولمة والكونية، دون أن نأخذ في الاعتبار كل المعطيات السياسية والجغرافية والإستراتيجية. وتحديد الصلة بالغرب وبغيره من الكيانات الحضارية، يعطينا تحديدين مهمين في إنجاز مشروعنا التجديدي المسمى “مجتمع المعرفة” من خلال إدراك نسبية الظواهر الغربية، ومعرفة أوجه النقص فيها وأوجه العظمة الحقيقية. بالإضافة إلي تحديد ما يمكن أن نساهم به في ترشيد الحضارة الإنسانية وهدايتها من خلال النظر إلى حركة التاريخ والواقع من زاوية عالمية لنكتسب بذلك وعياً عالمياً، فإذا أدركنا مشكلاتنا في هذا المستوى، سيمكننا إدراك معه حقيقة الدور الذي يناط بنا في حضارة القرن الحادي والعشرين.
يثير هذا العدد من الدورية العالمية للاتصال قضية مهمة وهي منهجية التحول في العالم العربي، ومدى تأثير دراسات الاستشراق والاستغراب في تحقيق مفهوم مجتمع المعرفة. وبمعنى أدق، كيف يمكن توظيف الإعلام لفهم مشكلات الأمة والإنسانية بشكل موضوعي. وعلى الرغم من وجود دراسات سابقة حول هذا الموضوع، إلا أن الغالب عليها هي تركيزها على “الحضارة” كوحدة للتحليل، وهذا غير كاف لفهم فكرة ومنهجية “مجتمع المعرفة” في ضوء “الحضارة العالمية” كوحدة للتحليل وليس مفهوم الحضارة فقط. ومن هنا، ينبغي أن ندرك نحن اليوم أن الاختيار الصائب والمناسب لوحدة تحليل المشكلات هو الخطوة الأساسية الأولى على طريق فهم المشكلات وتفسيرها ومعالجتها.