يتوقع أن تساهم وسائل الإعلام في تشكيل بؤرة ثقافية يجتمع حولها أفراد
المجتمع تساعد على تحقيق أهدافه، نجدها من خلال العديد من القنوات
الفضائية تتيح ما من شأنه الاختلافات في الأفكار والسلوكيات بل وفي القيم
التي يعتبر الاختلاف فيها من أهم عوامل ومصادر الصراع وعدم التكامل.
إن الاختلافات فيما تبثه وسائل الإعلام من أفكار ومفاهيم يوجد قدراً من
اللامعيارية التي يهدد انتشارها نسق قيم المجتمع ليس فقط المحلي بل
الإنساني ككل.
ولا يقتصر ذلك على الأشخاص والقضايا بل يشمل بعض القيم وأنماط السلوك، حيث
يتغير الموقف أو الاتجاه من حالة المودة إلى حالة العداء، ومن حالة
الاستهجان إلى القبول أو التقدير.
ويكون أكبر تأثيراً من تغيير الاتجاه حيث يغير طبيعة إدراك الأشخاص للحياة
من حولهم، وقد يطرح أساليب مختلفة للنجاح قد لا تتفق مع الواقع والمفاهيم
السائدة.
تسعى جميع الرسائل الإعلامية إلى إزالة قيمة وتثبيت أخرى، أو ترسيخ وضع
قائم، ومنع آخر، ويحدث ذلك من خلال ما تطرحه من نماذج قد تتعارض مع
متطلبات الحياة الاجتماعية والاقتصادية التي تسعى الأسرة لجعل الأولاد
يتكيفون لمطالبها وللأحكام التي تضبط أساليب تحقيق الاحتياجات.
حيث تعمد وسائل الإعلام إلى إبراز جوانب من الواقع وإغفال أخرى، بحيث يبدو
أن ما يظهر فيها معبراً عن الحقيقة وواقع الحياة والمجتمع، كما تحدد
الصورة النمطية للمواقف والأشخاص، والأدوار، وقد تكون الصورة مثالية غير
واقعية أو فيها تضخيم لأحداث، أو تقليل من شأنها.
.
أشار العديد من التحليلات إلى أهمية تأثير وسائل الإعلام على الأفراد في
مجالات مختلفة، كما أكدت نتائج عدد من الدراسات أهمية الدور الذي تمارسه
وسائل الإعلام في توجيه السلوك، وتشكيل الإدراك. إلا أن غالبية هذه
التحليلات والدراسات تميل إلى تجاهل المحيط الاجتماعي الذي يتم خلاله
التأثير من وسائل الإعلام على المتعرضين لها، فكما تؤكد النظرية
الاجتماعية النفسية فإن سلوكيات الأفراد ليست مجرد ردود أفعال للمواقف بل
هي ناتج لقدرتهم على إدراك معاني الرموز وتفسير الواقع أو المواقف[2]،
كما لا تبرز هذه الدراسات أنماط وأساليب التفاعل الإيجابي الواعي مع هذه
الوسائل الإعلامية وذلك مما يمكن أن تتيحه الأسرة باعتبارها وسيطاً ناقلاً
وقامعاً وصاقلاً بين الفرد ومحيطه الاجتماعي والثقافي.[3]
أجريت على عينة عشوائية مقدارها (248) فرداً يقيمون في قرية خليص واستخدمت
منهج المسح الاجتماعي أظهرت النتائج أن الإذاعة السعودية المسموعة ساهمت
إلى حدٍ ما في تطوير مجتمع البحث، من حيث أنها ربطته بالتطور والنمو
الاجتماعيين في إطار خطط التنمية الشاملة للمجتمع، كما أنها تقوم بوظائف
دينية واجتماعية وتعليمية وتثقيفية وترويحية تناسب مختلف الأعمار والفئات،
وقد تبين أن البرامج والمواد الدينية الإسلامية التي تقدمها الإذاعة
السعودية تشكل إطاراً مناسباً لتغيير العادات الضارة وتدعيم العادات
والقيم المفيدة.[4]
أجريت على عينة مختارة من برامج مخصصة للأطفال وباستخدام أسلوب الملاحظة
المباشرة للبرامج التلفزيونية (محلية وأجنبية) وأسلوب المقابلة المقننة مع
عينة من الطلبة بلغت (200) مفردة موزعة على أربع مدارس حكومية وأهلية، ومن
خلال منهج الوصف التحليلي، وتحليل المضمون، أظهرت أهم نتائج البحث أن
التلفزيون له تأثيرات إيجابية تمثلت في أنه ينمي شخصية الطفل، ويساعد على
حل المشكلات وأنه يكسب الطفل قيماً اجتماعية سليمة، ويؤدي إلى زيادة
الشعور بالانتماء للوطن، ويعلم الأطفال أسلوب الحوار والمناقشة ويوسع
خيالهم ويكسبهم معلومات مفيدة.
أظهرت النتائج أن هناك تأثيرات سلبية لتعرض الأطفال للتلفزيون تمثلت في
تدهور وتدني عادة القراءة لديهم وتعلمهم العنف والعدوانية.[5]
وباستخدام منهج تحليل المضمون ومنهج الوصف التحليلي على عينة عشوائية من
الأسر في مدينة الرياض أوضحت النتائج أن نسبة 78.6% من الآباء يقضون معظم
أوقات فراغهم في مشاهدة التلفزيون، وكذلك الأمهات بنسبة 87.4%، والأولاد
بنسبة 88.4% أي أن جميع أفراد الأسرة يقضون معظم أوقات فراغهم في مشاهدة
التلفزيون. كما أظهرت النتائج أن البرامج الترفيهية تأتي في المرتبة
الأولى لكل من الآباء والأمهات.[6]
حماية الأولاد من الأذى، قام الباحث مع فريق بحث بمراجعة مئات الدراسات عن
تأثير مشاهد العنف على السلوك ووجدوا ثلاثة تأثيرات ضارة لمشاهد العنف في
وسائل الاتصال وهي:
قام الباحث باختبار مدى صحة التأثير الأخير وهو أن وسائل الإعلام تزيد من
مخاوف الأطفال، حيث قام بسؤال طلبة في السنة الأولى من الدراسة الجامعية
عن مدى شعورهم بالخوف لمدة طويلة بعد مشاهدة فيلم أو مشهد تلفزيوني، وأتاح
لهم الإجابة بنعم أولا، ومن يجيب بنعم يفسر كيف حدث ذلك. وقد أظهرت
النتائج أن (96) من (103) طالباً أجابوا بنعم والعديد منهم كتبوا وصف مفصل
لتعرضهم لكوابيس متكررة وهلاوس فكرية واستمرار صور ذهنية لهذه المشاهد
المرعبة.[7]
مراجعة لعدد من الدراسات حول تأثير وسائل الإعلام بالإضافة إلى ما تم عرضه
كنماذج من هذه الدراسات يظهر أنه رغم أهميتها وأهمية ما تنبه إليها من
تاثيرات متنوعة لوسائل الإعلام يمكنها أن توجد خللاً وتناقضاً في وظائف
التربية، إلا أنها تكاد أن تتجاهل أمرين هامين هما:
التفاعل بين وسائل الإعلام والأفراد يحدث من خلال بعدين أحدهما كمي والآخر
كيفي، كما يحدث ضمن ظروف ومواقف لها أكبر الأثر في تحديد كمية ونوعية هذا
التفاعل، وتبعاته.
فقدان الأسرة للعديد من وظائفها، إلا أن ذلك أتاح لها أن تمارس التأثير
الأهم فيما تبقى لها من وظائف، ومن أهمها: التنشئة الاجتماعية، والدعم
العاطفي للأعضاء، حيث يبدو أن هناك قدراً من التأثير المتبادل بين هاتين
الوظيفتين يشكل في مجمله طبيعة دور الأسرة كوسيط ناقل وقامع وصاقل للمؤثرات الثقافية والاجتماعية التي يتعرض لها أعضاؤها، أي يشكل طبيعة تفاعل أفرادها مع هذه المؤثرات، وطبيعة إدراكهم لها.
ما يعتبر تفاعلاً سلبياً غير موجَه يحدث بين الأفراد ووسائل الإعلام وفي
ظروف تتسم بعدم الوضوح كما يسيطر فيه أحد الطرفين على الآخر بدون تكافؤ في
التأثير والاستجابة.
ما يعتبر تفاعلاً موجباً مضبوطاً وموجهاً بين الأفراد ووسائل الإعلام يحدث
في ظروف واضحة ويؤثر فيه كل طرف على الآخر بما يحقق المنفعة المرجوة من
وجود هذا التفاعل.
تغير بنية الدور الأسري، وانشغال الوالدين واستقلال الأسرة في السكنى عن
الأقارب قد يحد من الأوقات التي يقضيها الوالدين والأجداد مع الأولاد، كما
يؤثر على نوعية التفاعل معهم والوسائل المستخدمة في تربيتهم، ويشكل صعوبات
تواجهها الأسرة في منافسة وسائل الإعلام على تنشئة الأبناء، حيث تتوفر هذه
الوسائل بصور مختلفة، وتستخدم أساليب وطرق تأثير متنوعة.
لنا النظريات الاجتماعية النفسية أهمية الوعي والإدراك، باعتباره الوسيلة
التي نفسّر بها كل ما نتعرض له ونواجهه في محيطنا تفسيراً يشكل طبيعة
تأثرنا به واستجابتنا له. وتفترض هذه النظريات أن الإنسان قادر على تفسير
الأمور تفسيراً منطقياً يحقق له المنفعة، غير أن موجهات الفعل تختلف
أهميتها من جماعة لأخرى ومن شخص لآخر، ولذلك نتوقع أن تختلف طبيعة إدراك
وتفسير الأسر لما يتوفر من وسائل للاتصال الجماهيري، ويتيح ذلك أن توجد
أسر لا تمنح أهمية للقيم والأعراف الاجتماعية وبذلك لا تهتم لإتقان دورها
في نقل هذه القيم والمحافظة عليها فلا تهتم بما يؤثر على تربية الأولاد
وتتيح لهم أن يتعرضوا لكافة المؤثرات في محيطهم أو حتى خارج مجتمعاتهم بلا
ضوابط، وفي المقابل أسر قد توجد أسر تمنح وزناً كبيراً للتقاليد والأعراف
الاجتماعية وتحرص على نقلها للأولاد، فتعمد لتجنب كل ما من شأنه إضعاف هذه
القيم أو الحد من تأثيرها على السلوك، وقد تبالغ في ذلك بأن تعمد إلى
عزلهم عن محيطهم الاجتماعي والثقافي خارج نطاق الأسرة.
كان التجنب والتحاشي ممكناً مع الأمور والشخصيات التي تضطر للتفاعل معها،
فإنه قد يكون متعذراً فيما يختص بالعلاقة مع وسائل الإعلام لانتشارها
وتعدد أشكالها وتعرض الأولاد لها في مؤسسات التعليم، أو عن طريق غير مباشر
بما يسمعونه من أقرانهم من أحداث قد تصلهم في صورة أكثر تشويقاً وإثارة.
عرض هذه النماذج بالتركيز على بعض أهم خصائص الأسرة، والوضع الاجتماعي
والاقتصادي للوالدة، وطبيعة العلاقات بين الوالدين، وطبيعة العلاقات مع
الأولاد، ثم إتاحة المجال للأم أن تصف لنا كيف أمكنها أن تجنب أولادها
التأثيرات السلبية لوسائل الإعلام.
تتكون من ثمانية أشخاص أولادها جميعاً متفوقون دراسياً ويلتزمون بأداء
الصلوات في أوقاتها وكذلك الفرائض وبعض أنواع العبادات التطوعية، وهي بدخل
متوسط ويعمل الوالدان في مهن تعتبر عليا، العلاقات بين الوالدين مستقرة،
ورغم وجود مجالات لاختلاف المعايير بين الوالدين إلا أنهما يقدمان مصلحة
الأولاد ويهتمان لمشاعر الرضا عندهم، كما يستشيرانهم، ويستخدمان أساليب
متنوعة في تربيتهم تتضمن القصص، والقدوة والأمثال، والتوجيه والوعظ.
الأم بأن التلفاز وكذلك إمكانات استخدام الانترنت لا توجد إلا في غرفة
المعيشة المشتركة ورغم أنه يتضمن العديد من القنوات الفضائية إلا أن جهاز
التحكم يستخدم لتغيير القناة عند ظهور مشاهد لا يقرها الدين والعرف. وهذا
الجهاز غالباً ما يكون في يد أحد الأبناء أو البنات، مع منع ظهور القنوات
المخالفة بصفة مستمرة للأحكام الثقافية في المجتمع.
ظهور بعض اللقطات أو المشاهد المخالفة للأحكام الثقافية يجري التعليق
والتفسير من الأم بما يعبر عن رفض واستنكار ما يجري عرضه، ويذكر بأن معظم
ما يشاهد يخالف الواقع وأنه عرض لحالات شاذة أو من نسيج الخيال لجذب
الانتباه واستقطاب المشاهدين.
لوحظ أن الوالدة مانعت دخول قنوات فضائية كثيرة، إلا أن الوالد أصر على
ذلك استجابة لرغبات الأولاد، وتعتبر الأم أكثر حزماً فيما يختص بالمعايير
الاجتماعية، حيث تحرص على التذكير بالأحكام، وتقدم العديد من الأمثال
والقصص للأولاد من أجل تذكيرهم بأهمية الالتزام بأحكام الدين والمجتمع.
تتكون من سبعة أشخاص، نشأ الوالدان في بيئة محافظة، جميع الأولاد متفوقون
دراسياً، ويلتزمون بأداء الصلوات في المساجد، وكذلك الفرائض وأنواع من
العبادات التطوعية، وهي بدخل متوسط ومهن تعتبر متوسطة، العلاقات بين
الوالدين مستقرة ويتفقان في غالبية المجالات، يمارس الوالدان أساليب
متنوعة في تربية الأولاد.
أفادت الأم بأن التلفاز يوضع فقط في غرفة المعيشة المشتركة، ورغم أنه
مفتوح طوال فترة المساء قبل النوم إلا أن الوالدان هما المتحكمان غالباً
بأداة التحكم، وقد تم منع بث القنوات المتخصصة في الأمور الشاذة والمخالفة
للأحكام الدينية، وعند ظهور بعض المشاهد المخالفة للشريعة يجري تغيير
القناة، كما يميل الوالدان إلى مشاهدة البرامج الدينية، ويخصص دائماً وقت
للحوار، كما يساهم الأولاد في أعمال المنزل، حيث لا ترغب الأم في استقدام
خادمة، ويهتم الوالدان بضبط أوقات النوم، ومشاهدة التلفاز، كما أنهما لم
يوفرا للأولاد خدمة الانترنت إلا بعد التحاقهم بالجامعة ومن أجل أداء
الواجبات المطلوبة.
مسموحاً انفصال أحد الأولاد عن أخيه وقت الترفيه ليقضيه مع الزملاء، كما
يقضي الولدان أوقات الترفيه في آخر الأسبوع مع أولاد الخالة التي تتماثل
إلى حد كبير ظروف تربيتها لأولادها مع ظروف تربية والدتهما لهما.
تتكون من خمسة أشخاص ومن وضع اجتماعي واقتصادي مرتفع نسبياً، أقاموا فترة
طويلة في مجتمع غربي، والأولاد متفوقون دراسياً، يؤدون الصلوات في
المساجد، ويحدد لهم الوالدان أوقات معينة لمشاهدة التلفاز وتترك لهم حرية
المشاهدة أو الامتناع عنها في يوم من أيام الأسبوع، ويوجد التلفاز فقط في
غرفة المعيشة، كما يهتم الوالدان بترفيه الأولاد والحوار المستمر معهم،
ورغم وجود قنوات فضائية إلا أنها مضبوطة بمنع المخالف منها للأحكام
الدينية، ولا يسمح الوالدان باستخدام أجهزة اللعب المعروفة بالبلاي ستيشن،
بينما يمكنهم اللعب بها عندما يزورون الأقارب، ويسعى الوالدان لتحفيظ
الأولاد القرآن الكريم في المدارس، ومن غير المسموح قضاء وقت الترفيه مع
آخرين من خارج نطاق العائلة.
تم توفير خدمة الانترنت للأولاد في سن مبكرة إلا أن الأم لا تسمح أبداً
بأن يخفي الأولاد الأرقام السرية للبريد الألكتروني عن الوالدين أو فيما
بينهم، وقد عبرت الأم عن انزعاجها من تدخل الأهل في تربية الأولاد في أرض
الوطن، حيث تقاوم بصعوبة نصائحهم بالتساهل فيما يختص باقتناء عدد من وسائل
الإعلام والأوقات المخصصة لتشغيلها.
تتكون من ثمانية أشخاص، من بيئة محافظة والوالد كبير في السن وعاطل عن
العمل و يعتمدون في دخل الأسرة على راتب أكبر البنات، وهم متفوقون
دراسياً، ويؤدون الصلوات في أوقاتها، وقد لوحظ وجود قدر من الحزم والثبات
في تربيتهم، ممزوجاً بعناية كبيرة باحتياجاتهم، ويستخدم الوالدان أساليب
تربوية متعددة من أهمها: التشجيع وضرب الأمثال وسرد القصص بالإضافة إلى
التوجيهات المباشرة والتزام الوالدين بأحكام الدين وأعراف المجتمع، ولديهم
قنوات محلية فقط، كما يتوفر لهم لعبة البلاي ستيشن، ويساهمون في إنجاز
أعمال المنزل، وقد تم توفير خدمة الانترنت لمتطلبات الدراسة الجامعية فقط،
ولا يسمح لهم بالخروج إلى الشارع ومرافقة الزملاء خارج نطاق الدراسة.
ضآلة عدد النماذج التي تم عرضها باعتبارها تمثل تفاعلاً واعياً مع وسائل
الإعلام إلا أنها تعكس وجود حرص واهتمام بمسألة تعرض الأولاد لوسائل
الإعلام اختلفت أساليب الأسر في تطبيقه، ولكنها تماثلت في استخدام وسائل
تربوية متنوعة، كما جمعت الأمهات بين الحزم والعناية بحاجات الأولاد، كما
يجري منع اختلاط الأبناء بجماعة الرفاق خارج نطاق العائلة والمدرسة. وهناك
قدر من الاتفاق بين الوالدين فيما يختص بضبط تعرض الأولاد لوسائل الإعلام
ويزيد الاهتمام به بين الأمهات عنه بين الآباء، وذلك يتفق مع طبيعة
الأدوار المنوطة بالنساء والتي تميل إلى أن تكون تعبيرية أي تهتم بالمعاني
والمعايير، ويتضمن ذلك مراقبة وضبط كل ما يمكن أن يؤثر في استقرار الأسرة
ونجاح الأولاد.
أن منع الأولاد عن مرافقة أقرانهم خارج نطاق المدرسة يعمل على حمايتهم من
نقل وتداول جماعة الرفاق (وهي من الجماعات الأكثر تأثيراً في مراحل معينة
من العمر) لما يرونه من مشاهد،[8] ويمنع تعرض الأولاد بصفة غير مباشرة لرسائل إعلامية سلبية حرص الوالدان على تجنيب أولادهم تأثيرها.
إلى مفهوم التفاعل وبعد استعراض عدد من التحليلات والدراسات المتعلقة
بطبيعة التفاعل مع وسائل الإعلام، وتقديم نماذج محدودة لأسر لم يتأثر
أولادها بصفة سلبية بوسائل الإعلام قياساً على ارتفاع مستويات إنجازهم
الأكاديمي، والتزامهم بواجبات وأحكام الدين تعين أن نحدد
طبيعة التفاعل الواعي بين الأسرة ووسائل الإعلام من خلال تحديد بعض أهم
خصائص هذا التفاعل، ثم تحديد طبيعة الأوضاع والأساليب التي تستخدمها
الأسرة وتتيح لنا أن نعتبر هذا النوع من الأسر متفاعلاً تفاعلاً إيجابياً
واعياً مع وسائل الإعلام.
ذلك يتعين علينا تحديد المقصود بالتفاعل الواعي مع وسائل الإعلام من خلال
تحديد مؤشراته، ذلك أن وضوح التوقعات يؤثر بصفة كبيرة في نتائج التفاعل
وتبعاته، ويشكل الغموض عقبة كبيرة في تحديد ردود الأفعال للمؤثرات
المختلفة.
عرض كل ما يتعارض مع القيم الدينية والاجتماعية والقواعد الأخلاقية
الإنسانية سواء في وسائل الإعلام المحلية أو العالمية، والمشاركة الفعالة
في مضمون وأساليب الرسائل الإعلامية.
بعض الأسر أن وسائل الإعلام تتضمن موجهات سلبية وأفكار يمكنها أن تضلل من
يتعرضون لها، ويستندون في ذلك إلى ما يظهر في العديد من البرامج والأفلام
والمسلسلات التي تبثها وسائل الإعلام من مشاهد العنف والانحراف عن
المعايير الاجتماعية، بالإضافة إلى ما تسببه من هدر للوقت الذي يمكن أن
يقضيه الأولاد في تحصيل ما ينفعهم ويزيد من معارفهم وقدراتهم، ويؤيد ذلك
عدد من التحليلات والدراسات التي أكدت بالتجارب العلمية أن التعلم من خلال
القدوة والمثال والقائم على المشاهدة والملاحظة من أخطر وظائف وسائل
الإعلام، وذلك لأن هذه الوسائل تتعمد شد الانتباه، وتتجنب التوجيهات
المباشرة التي عادة تخلو من الإثارة وتسبب الملل.[9]
شك أن إدراك الوالدين لطبيعة ومجالات تأثير وسائل الإعلام تفرض عليهم
تعليم أولادهم كيفية التعامل معها، وتعويدهم على تحليل الرسائل الإعلامية
في ضوء معطيات الواقع والمعايير والقيم الاجتماعية والإنسانية.
وسائل الإعلام وانتشرت فلا يكاد يوجد بيت إلا وفيه عدد منها، كما أصبح من
الضروري حيازة بعض هذه الوسائل استجابة لمتطلبات وشروط تتعلق بالتعليم
والعمل. ولا شك أن انتشارها يتيح التداول اللفظي لما تبثه من أفكار
وسلوكيات حيث يتناقل مشاهدوها ما يرونه من أحداث ومواقف بطرق مختلفة قد
تكون أكثر تشويقاً وإثارة من طرقة عرضها في وسيلة الإعلام، ولذلك فإن
محاولات تجنبها غالباً ما تكون وهمية وغير ثابتة أو مستمرة، حيث أصبحت
شراً لا بد منه.[10]
ذلك توفير ظروف مناسبة للحوار، وتنمية التفكير النقدي، لمواجهة ما يتعرض
له الأولاد من أفكار، بالإضافة إلى مراقبة ردود أفعال الأولاد، وضبط ما
يتعرضون له من رسائل إعلامية.[11]
تستهدفها التنشئة الأسرية، وخاصة إذا تعارض ما تلقنه الأسرة للأولاد مع ما
توجههم إليه وسائل الإعلام، وبينما تتعدد وتتنوع أساليب التأثير التي
تستخدمها وسائل الإعلام يكاد عدد من الأسر أن يجهل أنه يستخدم وسيلة أو
وسيلتين فقط من وسائل التربية بصفة مقصودة، فيهمل ضبط وتوجيه الأساليب غير
المباشرة في التربية[12]
، ومن أهمها: القدوة، وسرد القصص، والترفيه الموجَه، والحوار، واللعب،
والإلزام بمسؤليات والتزامات دينية وأخلاقية، والتوجيه نحو استخدام العقل
والتفكير.[13]
يتعين على الأسر أن تدرك أهمية استخدام أساليب تربوية متنوعة وعدم التركيز
على التوجيهات المباشرة، كما عليها أن تجعل هذه الأساليب متكاملة فلا يمنع
الوالدان بالتوجيه أو الضرب أولادهما من أمر ما (قد يكون مشاهدة برنامج أو
فيلم معين) ويقومان به، ففي ذلك تناقض يحد من تأثير التوجيهات الأسرية
واستدماج القيم الموجهة للسلوك، فقد تنجح الأسرة في ضبط السلوك بوسيلة أو
وسيلتين، ولكنها لا تستطيع غرس القيم إلا باستخدام أساليب متنوعة ومتكاملة.[14]
استقرار الأسرة يتيح لها أن تقوم بوظائفها في ظروف إيجابية وداعمة، وتعتبر
الاختلافات من مصادر النزاعات الأسرية التي تظهر في مجالات متنوعة من
أهمها وأكثرها شيوعاً المنازعات حول تربية الأولاد، والأساليب المتبعة
فيها.
الأسرة عن وسائل الإعلام بالاستمرارية ووجود قدر من الثبات في لتوجيهات
الوالدية، ولكن اختلاف الوالدين حول أهمية وسائل الإعلام، وما يتوفر من
قنوات، وطرق التعامل مع هذه الوسائل يتيح قدراً من الغموض في الموقف ولا
معيارية تقلل من شأن المواقف التربوية أياً كان مصدرها بينما يتيح احترام
الوالدين للقيم الدينية والاجتماعية واهتمامهم بوسائل نقلها للأولاد
استدماج الأولاد لهذه القيم بحيث تتحول إلى رقيب ذاتي ويحول دون تأثرهم
بصفة سلبية بما يتعرضون له من مؤثرات.[15]
أن إدراك الوالدين للجوانب السلبية والإيجابية لوسائل الإعلام، واعترافهم
باستحالة تجنبها جميعاً أو تجنب تأثيرها، واهتمامهم باستخدام أساليب
متنوعة ومتكاملة في تربية الأولاد لا بد أن يوحد من مواقفهم تجاه هذه
الوسائل والتفاعل معها تفاعلاً واعياً وانتقائياً يدعم أساليب الأسرة في
التربية ويحقق أهدافها، ويستبعد ما يتعارض مع قيم وأهداف الأسرة والمجتمع.[16]
الأسرة المحيط الذي يتوقع منه تقديم الدعم العاطفي وما يصاحبه من اهتمام
بحاجات الأعضاء النفسية والمعرفية، والجسمية، وقد أكد عدد من التحليلات
حول أساليب وشروط تأثير وسائل الإعلام أن الجمهور يتعرض للمواد الإعلامية
بصفة انتقائية لإشباع رغبات كامنة أو معلنة لديه ومنها: الحصول على
معلومات، أو الترفيه، أو التفاعل الاجتماعي، أو تحديد الهوية[17]،
ويستدعي ذلك اهتمام الأسرة بالتعرف على احتياجات الأولاد، والاعتراف
بالفروق الفردية بينهم، وتأثير المرحلة العمرية على طبيعة الاحتياجات،
ومحاولة توفير وسائل التعلم والترفيه الملائمة، لإشباع حاجات الأطفال
للاستطلاع والترويح. والاهتمام بتخصيص أوقات كافية ومطمئنة للحوار ومناقشة
المفاهيم والأفكار.
يشير عدد من التحليلات إلى أهمية تأثير أنماط الحياة الاجتماعية في مقدرة
وسائل الإعلام على التأثير، حيث تستغل وسائل الإعلام الأوضاع الاجتماعية
والاقتصادية وكل مجالات الحرمان بمناقشة ما يفتقده الناس، وعرض نماذج لما
يفتقدون.[18]
يعتبر الأمن من أهم الاحتياجات الإنسانية فإن للأسرة دور هام في حماية
الأولاد من التعرض لمشاهد تثير فيهم مشاعر الخوف، وعدم الرضا، كما يمكن
للأسرة أن تمنع تعرض الأطفال لأنماط حياة تقودهم للانحراف، والتعرض
للعقوبات، أو افتقاد الشروط اللازمة لتأمين مستقبلهم اقتصادياً.
مقاومة واستنكار عرض كل ما يتعارض مع القيم الدينية والاجتماعية والقواعد
الأخلاقية الإنسانية سواء في وسائل الإعلام المحلية أو الأجنبية.
مجتمع ثقافة عامة وأخرى فرعية تلتقي في أهم عناصرها لتشكل هوية المجتمع
وتحفظ توازنه واستقراره، كما تميزت المجتمعات البشرية عن باقي المخلوقات
بوجود أحكام ثقافية تضبط السلوكيات وتوجهها لتحقيق استمرار واستقرار
وتنمية هذه المجتمعات، ونظراً للتباين في مقدرة الأسر والمجتمعات على الحد
من تأثير الرسائل الإعلامية المخالفة لثقافة المجتمع وشروط استقراره
وتنميته، فإن هناك احتمالات كبيرة لتأثير هذه الرسائل بصفة مباشرة أو غير
مباشرة على الأفراد والمجتمعات، وقد أكد عدد من الدراسات هذا التأثير، وفي
الدين الإسلامي ما يحث على استنكار المنكر ومقاومة تفشي الفساد والفتن،
كما يستشعر المفكرون والمصلحون ضرورة التنبه لتأثير وسائل الإعلام، وتعقد
المؤتمرات لمناقشة مجالات تأثيرها والوسائل الممكنة للحد منها، أو التفاعل
الواعي معها.
جميع المجتمعات الإنسانية يستنكر الناس التعرض لما يعتبر في الديانة
الإسلامية من الحرمات التي حدد لها ما يناسبها من عقوبات، وتتمثل هذه
الحرمات في حرمة الدم، وحرمة المال، وحرمة العرض، ولا شك أن استمرار مشاهد
القتل والتعذيب في معظم الأفلام تعتبر عبثاً متعمداً في حرمة الدم وتجعل
المشاهدين أقل تعاطفاً مع ضحايا العنف، وأقل استنكاراً لمشاهد إراقة
الدماء، كما أن استمرار عرض أساليب الاحتيال والنصب والسرقات في البرامج
والمسلسلات التي تبثها وسائل الإعلام تشكل تهديداً للأحكام المتعلقة بحرمة
المال، بالإضافة إلى الوقت الذي يهدر في مشاهدة التلفاز واللعب بالبلاي
ستيشن مما يتعارض مع وظائف الأسرة باتجاه النسق الاقتصادي ويمكن أن يتسبب
في فشل الأبناء والعوز المادي، وتمثل الانتهاكات للأحكام المتعلقة بتنظيم
العلاقة بين الجنسين تهاوناً ليس فقط بحرمة العرض ولكن أيضاً بكرامة
الإنسان، حيث يجري استباحة الزنى وتقديم الخصائص الجسدية على الخصائص
الروحية والمعنوية لمخلوق كرمه الله عن باقي المخلوقات بالعقل والدين،
ويتضمن ذلك انتهاكاً لمعظم القيم الأسرية.
هنا تظهر أهمية التفاعل الواعي مع وسائل الإعلام من خلال التعامل معها
بصفة انتقائية، والاعتراض على استمرار هذا العبث في المعاني والقيم
المميزة للمجتمعات البشرية، وتكاتف الجهود لقمع وإيقاف ومعاقبة مصادر
الرسائل الإعلامية المخالفة للقواعد الدينية والأخلاقية المنظمة للحياة
الاجتماعية في محيط الأسرة وخارجها.
يتضمن ذلك تنمية الشعور لدى الأسر والأفراد بأهمية المشاركة في إنتاج
الرسائل الإعلامية وفي مضامينها باعتبارها مسؤولية مشتركة بين وسائل
الإعلام والأسرة وباعتبار أن فاعلية هذه الوسائل تحددها فاعلية الأسر
والأفراد المتفاعلين معها.
وعي الأسرة والتزامها بمسؤولياتها التربوية ما يدعم دورها كوسيط صاقل
وقامع ومؤثر لتأثير الرسائل الإعلامية، وهي وسيط مكلف ومسؤول عن كل ما
يتعلق بحماية الأولاد ورعايتهم، قال الله جل وعلا: ]إن السمع والبصر والفؤاد كلٌ أولئك كان عنه مسئولاً[.[21]
يمثل طبيعة الدور المتوقع من الأسرة في تشكيل التفاعل الواعي من قبل
الأفراد مع وسائل الإعلام، ويستدعي تفعيل هذا الدور، ودعمه في ضوء الأهداف
التربوية المشتركة بين جميع مؤسسات التربية الرسمية وغير الرسمية، وفي ظل
زيادة الأعباء والضغوط والمشكلات التي تواجهها الأسرة المعاصرة.
سليمان العسكري، القيم والإعلام، بحث مقدم إلى المؤتمر الثقافي العربي
السابع، جامعة السلطان قابوس، مسقط، دار الجيل، بيروت، 2002: 153-199.