محمد قيراط
بمبادرة من مركز الدوحة لحرية الإعلام احتضنت العاصمة القطرية الدوحة على مدى ثلاثة أيام، 11-13 يونيو 2013 اجتماع خبراء التربية الإعلامية والمعلوماتية للوقوف على آخر التطورات في هذا المجال ومناقشة تجارب العديد من الدول والخروج بتوصيات للنهوض وتطوير التربية الإعلامية والمعلوماتية في المنطقة العربية.الكلام عن التربية الإعلامية يقودنا لطرح عدة تساؤلات منها ما المقصود بالتربية الإعلامية؟ وما هو وضعها في العالم العربي؟ ما هي الرهانات؟ وما هي التحديات؟ ومن هو المسؤول عنها؟ وزارة التربية،أولياء الأمور، المؤسسات الإعلامية، أقسام وكليات الإعلام والاتصال، المجتمع المدني…الخ.لماذا نحتاج إلى التربية الإعلامية والوعي الإعلامي؟ وإذا احتجنا إلى هذا الوعي وهذه الثقافة الإعلامية ما هي السبل والطرق والوسائل لتحقيق ذلك؟ أسئلة كثيرة ورهانات وتحديات أكبر.
في البداية يجب الإشارة إلى أن الفرد في المجتمع يتعرض يوميا إلى كم هائل من الأخبار والمعلومات والإعلانات عن طريق وسائل إعلام عديدة ومختلفة. كما يجب الإشارة هنا إلى أن وسائل الإعلام المختلفة أصبحت جزءا لا يتجزأ من حياتنا اليومية مما يعني أن العديد من الأفكار والصور والمعلومات نستقيها من هذه الوسائل وهذه الصور والمعاني تحدد لنا في غالب الأحيان كيف نتصرف وكيف ننظر إلى الآخر ونتعامل معه. والخطير في الأمر هو ليس كل ما تقدمه وسائل الإعلام بريء وصحيح وخال من التسييس والتوجيه. فعلى سبيل المثال تحتوي أفلام الكارتون الموجهة للأطفال وبراءتهم على %70 من مشاهد العنف. كما أن صناعة الأخبار والمواد الترفيهية الغربية خاصة الأمريكية منها تقوم على ترويكة الجنس والعنف والجريمة. من جهة أخرى يجب الإشارة هنا أن أطفالنا ببلوغ السن الثامن عشر يكونوا قضوا أمام شاشة التلفاز وقتا يفوق ذلك الوقت الذي قضوه على مقاعد الدراسة. من هنا تأتي أهمية موضوع التربية الإعلامية والوعي الإعلامي حتى يعرف أفراد المجتمع كيف يتعاملون مع مختلف وسائل الإعلام وكيف يستفيدون منها وكيف يسخرونها لتنمية وتطوير معارفهم وثقافتهم. فالوعي الإعلامي يعني المواطن الواعي، المسؤول، الملتزم والذي يعمل على تكريس الديمقراطية والتنمية المستدامة والحكم الراشد. فالتطور الذي عرفته البشرية عبر العصور من مجتمع زراعي إلى مجتمع صناعي إلى مجتمع معلوماتي أدى إلى انتشار وسائل الإعلام بمختلف أنواعها مما أثر في طريقة تفكير البشر وتصرفاتهم وسلوكهم ونظرتهم للمجتمع الذي يعيشون فيه وكذلك نظرتهم للآخرين. فالمعرفة اليوم متاحة للجميع ويبقى للفرد أن يمتلك المهارات اللازمة للوصول إليها وتحليلها والاستفادة منها وتوظيفها في حياته اليومية.فالعالم اليوم يتعامل مع المعرفة كسلعة وكصناعة ويتنافس في صناعتها وتعميمها عبر وسائط مختلفة.فالفرد اليوم أصبح يتحرك في فضاء تكنولوجي لا يتوقف ولا حدود له يبدأ بالتلفزيون والفضائيات ويستمر عبر الجوال الذي أصبح وسيلة التصوير والتخزين والتواصل عبر الشبكات الاجتماعية المختلفة وعبر الانترنيت وأصبح الجميع الصغير مثل الكبير لا يستطيع العيش بغنى عن الجوال وعن التعرض والتفاعل مع وسائل الإعلام والمعلومات المختلفة. المقصود بالتربية الإعلامية أو كما يشاء البعض تسميتها بمحو الأمية الإعلامية والمصطلح باللغة الإنجليزية Media literacy هو امتلاك المهارات والفهم والوعي الكامل للتعامل مع وسائل الإعلام المختلفة بوعي وذكاء ومسؤولية. فالسبيل الأمثل لتحقيق التربية الإعلامية أو الوعي الإعلامي أو الثقافة الإعلامية هو تدريس الإعلام في المدارس والمؤسسات التعليمية المختلفة لحماية الأطفال من أضرار الإعلام وتدريبهم على التفكير النقدي والتفكير التحليلي في تعاملهم مع المنتجات الإعلامية المختلفة. تقوم التربية الإعلامية على الوعي بتأثير وسائل الإعلام على الفرد والمجتمع، فهم عملية الاتصال الجماهيري، تنمية مهارات وإستراتيجيات تحليل ومناقشة الرسائل الإعلامية، إدراك المحتوى الإعلامي كنص يمد ويزود الأفراد ببعدهم الثقافي وانتمائهم الحضاري، تنمية القدرة على فهم وتقدير المحتوى الإعلامي والتفكير النقدي عند استهلاك محتوى وسائل الإعلام والقدرة على إنتاج رسائل إعلامية فعالة ومؤثرة. لتحقيق التربية الإعلامية يجب على الجهات المختلفة في المجتمع أن تتبنى الفكرة وتؤمن بها وتعمل على تحقيقها. وهنا يجب التركيز على الجهة المحورية والرئيسة في العملية وهي المدرسة. فالمطلوب هو إدماج موضوعات التربية الإعلامية ضمن المقررات الدراسية المختلفة لتعليم وتثقيف الطلاب بكيفية وطرق وسبل التعامل الواعي والمسؤول مع وسائل الإعلام المختلفة. المؤسسات الإعلامية مطالبة كذلك بالمساهمة في العملية من خلال تنظيم زيارات ميدانية للطلاب لزيارتها والتعرف على مراحل صناعة المادة الإعلامية وتقديمه للجمهور. كما من واجب المؤسسات الإعلامية زيارة المدارس وتقديم ندوات ومحاضرات ومناظرات حول الموضوع. أولياء الأمور من جهتهم مطالبون بالاهتمام بتثقيف وتوجيه أبناءهم للتعامل الواعي والمسؤول مع وسائل الإعلام.
هناك تحديات كبيرة تواجهها المنطقة العربية في موضوع التربية الإعلامية ومن أهمها أن الدول العربية ما زالت متأخرة مقارنة بالدول الأخرى. ففي الوقت الذي نلاحظ فيه انتشارا كبيرا وسريعا لمختلف وسائل ووسائط الإعلام والمعلومات واستخدام مكثف وكبير لهذه الوسائل من قبل الناشئة، نرى أن المسؤولين والتربويين وصناع القرار غير مهتمين بالموضوع كما ينبغي. وهذا ما يتطلب ضرورة وضع إستراتيجية وطنية للتربية الإعلامية تشارك فيها عدة جهات من أهمها وزارة التربية، وزارة الشباب، الجامعات، المؤسسات الإعلامية، المجتمع المدني، جمعيات الشباب، النوادي الرياضية…الخ لمعالجة الموضوع وإعطائه الأهمية التي يستحقها. إن أهم طريقة لنشر التربية الإعلامية والوعي والثقافة الإعلامية يجب أن تبدأ من الناشئة والأطفال في المدارس. وهذا يعني أن المدارس مطالبة ابتداء من المراحل التعليمية الأولى إقحام التربية الإعلامية في مختلف المواد. وهنا تجدر الإشارة إلى المبادرة الرائعة التي تبناها المجلس الأعلى للتعليم في دولة قطر. أما على المستوى التنظيمي والتشريعي فيجب إنشاء لجنة خبراء على مستوى كل دولة لدراسة ووضع المناهج والأسس والسبل الكفيلة بجعل التربية الإعلامية جزءا لا يتجزأ من المناهج الدراسية والتعليمية على مستوى المدارس والثانويات وحتى الجامعات.
هذا وتجدر الإشارة أن اجتماع خبراء التربية الإعلامية الذي أنعقد في قطر أختتم أشغاله بإعلان الدوحة والذي تضمن أربعة عشر توصية من أهمها تشكيل لجنة لتطوير التربية الإعلامية والمعلوماتية في الشرق الأوسط، وتأهيل أساتذة المدارس في هذا المجال، واعتماد مبادرات لتطوير التفكير النقدي ومساعدة الطلاب على فهم ومعالجة المعلومات. كما طالب بتنظيم ورش ودورات صحافية لطلاب المدارس وتشجيعهم على التفاعل الإيجابي مع وسائل الإعلام.كما أوصى الاجتماع بضرورة إقحام أولياء الأمور في عملية التربية الإعلامية والمعلوماتية وكذلك الجامعات والمؤسسات الإعلامية.من توصيات إعلان الدوحة كذلك تنظيم اجتماع سنوي على مستوى الدول العربية لمناقشة القضايا المتعلقة بالتربية الإعلامية والمعلوماتية وتقييم البرامج الخاصة بها وتطوير مناهج جديدة. أملنا أن يجد إعلان الدوحة أذانا صاغية من قبل المسؤولين في الدول العربية للنهوض بالتربية الإعلامية والمعلوماتية وتطويرها من أجل شباب يتمتع بالتفكير النقدي والتفكير التحليلي، وشباب واع ومسؤول وملتزم يعمل جاهدا من أجل تكريس الديمقراطية والتنمية المستدامة وحوار الديانات والحضارات وثقافة التسامح والتعايش السلمي.
http://www.al-sharq.com//Detail/articles/82/سياسية/280775/التربية-الإعلامية-الرهانات-والتحديات